محمد الرميحي: أمن الخليج في عالم متغير بين الميثولوجيا الإسرائيلية والطموحات الإيرانية

المنامة – روّاد الاقتصاد
بحضور مستشار جلالة ملك البحرين لشؤون الإعلام نبيل بن يعقوب الحمر، وضمن البرنامج الثقافي لنادي الخريجين، أقيمت مساء الثلاثاء 28 أكتوبر في قاعة عيسى بن سلمان الثقافية، محاضرة فكرية حملت عنوان “أمن الخليج في عالم متغير”، قدّمها الكاتب والمفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت.
استهل الدكتور الرميحي حديثه قائلاً إن موضوع أمن الخليج في عالم متغير هو “موضوع الساعة”، مؤكداً أن الدخول إليه يحتاج إلى مقدمة عامة لفهم المفاهيم المرتبطة بالمتغيرات الإقليمية والدولية، موضحًا أنه حين يتحدث عن إسرائيل أو الصهيونية الدينية فهو لا يعني الدين اليهودي، وحين يتحدث عن إيران لا يعني المذهب الشيعي، بل يقصد الاستخدام السياسي والقومي للدين والمذهب.
وأشار إلى أن إسرائيل وإيران هما اللاعبان الأساسيان في الفضاء الشرق أوسطي المؤثران في استقرار دول الخليج، موضحًا أن المنطقة تقع بين سرديتين متقابلتين تقومان على الميثولوجيا وشهوة التوسع وتخطي الأعراف الدولية المتعلقة بسيادة الدول الوطنية.
وبيّن أن الميثولوجيا الإسرائيلية تمثل تحديًا علميًا وحضاريًا وإنسانيًا، في حين تعتمد الميثولوجيا الفارسية أو الإيرانية على أساطير التوسع والطموحات السياسية، موضحًا أن كليهما يسعى إلى فرض النفوذ على المنطقة.
كما تناول المتغيرات الدولية، مشيرًا إلى أن انسحاب النفوذ البريطاني ثم الأمريكي، والتحولات في الاستراتيجية الأمريكية خلال العقود الأخيرة، جعلت العالم يعيش حالة من “اللايقين” في العلاقات الدولية، يتسم بالمساومات والصراعات والتقلبات.
ثم قدّم الرميحي قراءة فكرية في السرديتين الإسرائيلية والإيرانية، موضحًا جذورهما التاريخية والفكرية منذ خرافة “شعب الله المختار” إلى “الميثولوجيا الفارسية” التي تنظر إلى العرب بوصفهم غزاة، مستشهدًا بآراء المفكر الإيراني علي شريعتي الذي فرّق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، مبينًا أن الثاني تشيّع سياسي يستغل الدين لخدمة السلطة.
وأشار الرميحي إلى أن الطرفين الإسرائيلي والإيراني يستثمران في الخوف؛ فإسرائيل تروّج لفكرة أن العرب سيقذفونها في البحر، بينما تبرّر إيران تدخلها الخارجي بأنها تحارب خارج حدودها حتى لا تحارب داخلها.
وتابع أن الدم المراق في الحالتين هو دم عربي في غزة والضاحية وغيرها، وأن الثمن يُدفع من التنمية والثروات العربية، مستعرضًا قصة رمزية بين عربيين في أميركا تشاجرا حول علي ومعاوية ليؤكد كيف ما زال العالم العربي عالقًا في صراعات الماضي.
ودعا الرميحي إلى التنوير وعودة الوعي، معتبراً أنه المخرج العقلاني من ظلام الخرافة والجمود، مؤكدًا ضرورة تجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية والقبلية التي عطلت التقدم العربي.
المسألة اليهودية وتحوّلاتها التاريخية
استعرض الدكتور الرميحي في محور مطوّل المسألة اليهودية، مشيرًا إلى أن فهمها علميًا لا عاطفيًا ضرورة لفهم مواقف الغرب من إسرائيل. وبيّن كيف تحولت أوروبا من معاداة اليهود إلى احتضانهم من خلال حركة التنوير والإصلاح الديني والمواطنة الحديثة.
وسرد تطور الفكر اليهودي من العزلة إلى الاندماج عبر حركة الهسكلاه ومفكري التنوير اليهود مثل موسى مندلسون، الذين سعوا لدمج اليهود في المجتمعات الأوروبية. ثم تحوّل الفكر اليهودي بعد الهولوكوست نحو الصهيونية كحل نهائي للمسألة اليهودية، مدعومًا بتأييد المسيحية البروتستانتية والإصلاح الإنجيلي الذي أدخل مفهوم الصهيونية المسيحية وربط عودة المسيح بقيام دولة إسرائيل.
وأشار إلى أن تحالف الفكر الديني مع النفوذ السياسي والإعلامي جعل الدفاع عن إسرائيل جزءًا من الثقافة الغربية السياسية، إلى أن تبنّى المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 موقفًا داعمًا لليهود، مما مهّد لشرعية قيام دولة إسرائيلية.
وأكد أن اليهود استطاعوا التأثير في الأوساط السياسية والعلمية الغربية عبر التعليم والبحث العلمي والإعلام، حتى أصبح العداء للسامية مجرَّمًا قانونيًا في أوروبا، مضيفًا أن إسرائيل اليوم تستثمر في البحث العلمي بقيمة 24 مليار دولار سنويًا، وتصدر تقنيات عالية تتجاوز 70 مليار دولار، مما يجعلها تحديًا حضاريًا حقيقيًا.
المسألة الإيرانية وأبعادها السياسية
انتقل الرميحي بعدها إلى المسألة الإيرانية، موضحًا أن التشيّع الصفوي سياسي بامتياز، نشأ في مواجهة الدولة العثمانية وتطور في ظل القومية الفارسية. ومع قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 تم إحياء هذا الفكر من خلال نظرية ولاية الفقيه التي تحوّلت إلى أيديولوجيا سياسية جامعة للحكم الديني.
وأشار إلى أن فقهاء شيعة كبار، من عرب وإيرانيين، عارضوا ولاية الفقيه المطلقة، بينهم الخوئي والسيستاني ومنتظري، موضحًا أن القيادة الإيرانية الحالية تعيش بين زمنين: حديث وتاريخي، وأن حرب مايو 2025 أعادت العقل السياسي الإيراني إلى الماضي الإمبراطوري.
وأوضح أن الخلط بين المذهب والسياسة الإيرانية خطأ شائع، فانتقاد سياسات طهران لا يعني انتقاد المذهب الشيعي، مضيفًا أن إيران أنفقت أكثر من 30 مليار دولار بين 2011 و2023 لدعم أذرعها الخارجية تحت شعار “نحارب خارج حدودنا كي لا نحارب داخلها”، لكن هذه الأذرع لم تحقق أي مكسب حقيقي ولم تحرر شبراً من فلسطين.
ولفت إلى أن هذه التدخلات أضعفت الدول العربية وزادت الانقسامات والفقر، مؤكدًا أن فرض إيران وصايتها على الشيعة العرب هو سبب قلق الدول المجاورة والمجتمع الدولي، خاصة مع سعيها لامتلاك سلاح نووي عسكري.
وبيّن أن امتلاك إيران للسلاح النووي مرفوض دوليًا لأن لديها مشروع وصاية على الآخرين، بخلاف دول كالهند وباكستان التي لا تفرض وصايتها على جيرانها، لافتًا إلى أن روسيا تدعم إيران ضمنيًا لدفع الولايات المتحدة إلى التورط في حرب إقليمية جديدة.
وأكد أن إيران تعاني من فشل اقتصادي واجتماعي، مع بطالة مرتفعة وتراجع في العملة واحتقان شعبي واسع، مشيرًا إلى أن الأدب العالمي مثل أعمال شكسبير أصبح يُقرأ في طهران كرمز للواقع السياسي والاجتماعي المأزوم، حيث يعيش الإيرانيون حاضرهم من خلال الماضي.
وفي ختام محاضرته، دعا الدكتور محمد الرميحي إلى إنشاء مراكز بحثية متخصصة لدراسة المسائل اليهودية والإيرانية علميًا، بعيدًا عن العواطف والأساطير، لفهم كيفية تحوّل الفكر من الدفاع عن الحقوق إلى تبرير العنف، مؤكداً أن “المعرفة هي السلاح الحقيقي لمواجهة الخرافة والتوسع”.





