آراء حرة

قراءة في استراتيجيات الاستثمار غير التقليدية: كيف تصبح الشركات الصغيرة جسرًا للأسواق العالمية؟

 

بقلم أحمد إيهاب 

في عالم الأعمال المعاصر، لم تعد القيمة تقتصر على الأصول الملموسة أو الأرباح الفورية. لقد تطورت المفاهيم لتشمل القيمة الاستراتيجية الكامنة في الهياكل القانونية، وهي رؤية قد تبدو غامضة للبعض، لكنها في جوهرها تمثل فكرًا استثماريًا متقدمًا. مؤخرًا، لاحظت وجود لغط وسوء فهم حول ممارسة قانونية واستثمارية نقوم بتطبيقها، وهي الاستحواذ على شركات مصرية صغيرة قد تكون متوقفة عن النشاط، وهو ما أثار تساؤلات لدى البعض، وفتح الباب أمام تفسيرات بعيدة كل البعد عن الحقيقة. من منطلق مسؤوليتي كخبير قانوني، أجد أنه من الضروري توضيح هذا النموذج الاستثماري وأبعاده الحقيقية.

إن ما يراه البعض استحواذًا على “شركات غير ذات قيمة” هو في الحقيقة خطوة أولى في استراتيجية دقيقة ومدروسة هدفها النهائي هو التوسع الإقليمي، وتحديدًا اختراق السوق السعودي الواعد. الفكرة لا تتمحور حول أصول الشركة المستحوذ عليها أو نشاطها السابق، بل حول كيانها القانوني القائم وعمرها الزمني. فالشركات التي نستهدفها، والتي غالبًا ما تكون ذات رأس مال محدود وغير مثقلة بالالتزامات الضريبية أو التأمينية المعقدة، تمثل “وعاءً قانونيًا” نظيفًا ومثاليًا. هي ليست هدفًا بحد ذاتها، بل هي الأداة التي تمكننا من تحقيق الهدف الأكبر.

الرحلة تبدأ في مصر بعملية استحواذ قانونية سليمة وموثقة بالكامل، تنتقل بموجبها ملكية الشركة المستهدفة. هذه الخطوة لا تهدف إطلاقًا، كما يشاع، إلى استغلال اسم الشركة للحصول على قروض بنكية أو تسهيلات ائتمانية. فالهيكل المالي البسيط لهذه الشركات يجعلها غير مؤهلة أصلًا لمثل هذه الإجراءات. الهدف الحقيقي من الاحتفاظ بهذا الكيان المصري هو استيفاء متطلب أساسي تضعه وزارة الاستثمار السعودية (MISA) أمام الشركات الأجنبية الراغبة في الحصول على ترخيص استثماري بملكية 100%، وهو وجود “شركة أم” قائمة وذات عمر تشغيلي في بلدها الأصلي.

وهنا تكمن النقطة المحورية في الاستراتيجية بأكملها. فبدلًا من تأسيس شركة من الصفر في مصر وانتظار سنوات لتكوين سجل وعمر تشغيلي، يتيح لنا الاستحواذ على شركة قائمة اختصار هذا الوقت بشكل كبير. الشركة المصرية، بعد الاستحواذ عليها، تصبح هي “الشركة الأم” التي يتم تقديم ملفها الرسمي للسلطات السعودية، مدعومًا بكافة الوثائق اللازمة التي تثبت وجودها القانوني.

بمجرد الحصول على موافقة وزارة الاستثمار السعودية، ننتقل إلى المرحلة النهائية وهي تأسيس شركة جديدة في المملكة، تكون مملوكة بالكامل للشركة الأم المصرية. هذا الكيان السعودي الجديد هو درة التاج في هذه العملية، فهو الذي سيمارس النشاط الخدمي أو المهني بشكل كامل ومستقل داخل أحد أكثر الأسواق حيوية في المنطقة.

إذًا، نحن أمام نموذج استثماري وقانوني بحت، يعتمد على فهم عميق للوائح والإجراءات في كلا البلدين، ويستخدم الأدوات القانونية المتاحة لتحقيق هدف استثماري مشروع. إنه ليس تحايلًا، بل هو توظيف ذكي للقانون. فبدلًا من أن تظل هذه الكيانات القانونية المصرية مجمدة وبلا قيمة، نعيد إحياءها لتلعب دورًا محوريًا في استراتيجية توسع إقليمية، مما يفتح آفاقًا جديدة للمستثمرين ويساهم، ولو بشكل غير مباشر، في تعزيز الروابط الاقتصادية بين مصر والمملكة العربية السعودية. إن فهم هذه الأبعاد هو المفتاح لقراءة المشهد الاقتصادي بشكل صحيح، بعيدًا عن الشائعات والتفسيرات المتسرعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

slot gacor

joker gaming