سرماديا .. !

سرماديا .. !
بقلم / خالد العرفي
حينما إستيقظتُ لم أجد شيئا أعرفه. لم أرَ إلا غبارا داكنا يهبّ فى مواجهة الطريق، ويحجبه. ولم يكن هناك تاريخ يّؤرخ ما حدث فى تلك البقعة. لم يوجد ما يدل على زمان أو مكان. لم يكن ما ينمّ عن وجود أو حياة.
لما لا أرى أشجارا. لما لا أرى الصباح ؟ كيف لا أرى أرضا ولا سماءا ؟ لما اختفى البياض فى سواد خطى معذبّة ؟ لما غاب كل ما أعرف فلم يترك عنوانا ؟ كيف لا أعرف من أنا ؟
أين البشر؟ أين الكواكب. أين النجوم. أين الغروب. أين الشروق. كيف اختفت الشمس. أين راح الفجر. أين غاب القمر؟ أين مضى الليل. أين ذهبا طرفا النهار. أين البحر. أين المطر؟ أين المروج. أين الزوال. أين الغُدو. أين الآصال. مالى لا أسمع تغريدا لطير فوق شجر؟
تشظّى كل مَعَلم محيط بها من أقطارها. إختلط كل شئ بأرجائها. وبهتت التفاصيل. كان كل شئ قد ذهب عن عقلى، واندثر من ذاكرتي ..
وأخذت الفوضى تختفى رويدا رويدا، خلف مبانى شائهة مبعثرة. لا زُخْرف لها. لا زينة لها، غير عابئة تماما بما حولها. لم أدرٍ إن كان من فيها لا يزال حيّا، يُلاحظ شيئا وسط هذا الظلام الدامس. أم مختنقا وسط دخان، يلقفه غير مكترث بحياة، فى قبو موصد.
كانت أركان البقعة رابضة على مشارف مجهول، بلا جهات. تنشر الأسى على أسرارها، شاردة عن العيان. ظلال مبهمة فى قلب ما لا أعرف. غدت كثيفة موحشة. تتدلي على بطنها، حاجبة كل شئ بظلمتها. لا ترى الشمس. منطلقة بلون أفعواني، لذكريات تباشر سبيلي..تكيد بي طاغية. يفوح منها ما يسكن دُجاها. مؤكد أن الهارب منها، كان حيّا آمنا ، في حالة سكون، فلا يطرقه بغتة غموض طارق..
مع ذلك، استطعت أن أسمع هسهسة خافتة، قرعت الصمت. تأوّهات هازية، وصرخات مرتعبة، وتمتمات مكتومة. تتسرب مع زعيف الجنّ وأنفاس أشباح مختفية، زاحفة. تتوارى آخذة حذرها، حتى لا يراها عابر سبيل، فيثقفها. أخذت تتسارع، وتزداد شيئا فشيئا فى الظلام.
وددتُ أمام هذا الستار الخفي، لو عُدت حقا إلي ماض بعيد، لا حماقات فيه. أخوض غماره فلا أرجع منه أبدا. أهرب من تلك البقعة المخيفة، حريصا على ألا أمتزج بها أو أنصهر فيها.. غير منتظر ما لا يأتي من نبض حياة، أو نذير موت.. ظِّلا لما يتردد صداه، يتسلّل إلى الأعماق..
لم أرتعب لكنها أوهجت فى نفسي رغبة، طواها تحت أجنحته اليأس، منذ زمن طويل. ولم أستسلم لهواجز تنسفنى معها ريح ثقيلة الوطأة. ربما تذرونى إلى مكان سحيق. لم أدعها ترعى فى ذهني الواهن لتنهكه أكثر. ولم أكن لأتركها تسرح فوق قوتي لتنهار، وأنهار أسفل جرف هارِ، فلا أعرف شيئا.
كان عليّ المغادرة حينما رأيته فى تلك البقعة أشعثا، برداء بلا لون، بلا شكل، بلا ملامح، قد تعلو وجها ذائبا فى ظلام بارد. حاول أن يوثق وثاقى برباط لا يُرى، ماكرا بى، دون أن أشعر بشئ. محملقا بلا بصر، أو طرف يرتد إليه.
لم أعرف من هو أو من يكون ؟ أى كائن كان ذاك ؟ لما كان مسجونا مجهولا بهذه الزاوية من تلك البقعة القاصية؟ كيف انغلقت عليه أبواب قطع الليل وطيّاته ؟
لم يُبْدَ لى كيف غشّته زُلَفه، كأنها مطبوعة عليه فقط.. فمكث في هذا القرار، لا يَقْدر على شيء من نَقْب. تحرسه ذكريات غائبة تائهة، إلى أن إنطلق نحوى.
هناك فى تلك الأصداء، رأيت وجه البقعة الذى رأيت. تسكنه أشباح فارّة، مشوهة الملامح، بقسمات مفزعة.. ووجنات ناتئة، متصلبّة على جماجمها، مصلوبة على عظام، كأشواك. لم تحجزها أسوار..
القانون الوحيد الذى يحكمها، أن تُجمع وتُلقى فى جُبّ عميق. إذ يستحيل تخليص بعضها من بعض، فى بعيد غيابات قاعه. مجرد شظايا بلا حياة. بلا أسماء أعرفها. ومع ذلك رأيتها، قبل أن تبتلعها ظلمة البئر.. فى أحشائها، لا يراها إنسان
شعرت به يرصدنى. يراقبنى. يتربّصّنى. يتتبع خطواتى، مثل ظّلي. خلته يغيّر جلده. ينسلخ من ذاته أمام ناظرى. انقبضت. سمعت وقع أقدامه دانية منى.. اقتربت مسرعة نحوي، بأنفاس منكدرة قادمة من المجهول، محطمة كل شئ فى طريقها. تتقافز. تتردد. تياّرا غامضا، اندفع بى نحو ظلال داكنة.
شعرت بقبضة جليدية تلتف حول عنقى، فجأة. تضغط متسللة إلى الروح. مطبقة على رقبتى، تحسب كم تبقى مني. حمحمت بصوت مخنوق هارب بحشرجة محتضر” ما كان لى أن أضلّ بين تلك الزوايا الملتوية. كيف انطبعت قبضة هذا المسخ على عنقى. ولحمى. ساحقة عظامي؟”
بحثت طويلا عبثا.. وبدا البرد أشد قسوة ممّا تعهده نفس خائفة وروح مجهدة قلقة. أصبحت كطريدة جريحة. ملقاة بزمن آخر وأرض أخرى. كفراشة فزعة، تاهت عن الضوء، فاختطقتها النار، بحقيقتها، عارية متناقضة. تخيّم على بقايا أشياء لا تُرى.
ومادت الأرض من تحت قدمىّ. و لا أعرف كيف إنفلتت رقبتي من الأظافر المنغرسة فيها كسكين حاد، وقد جرى فى لحمى..
صدمتنى تساؤلات وراء تساؤلات. أثارت الريّبة في نفسي، من أنا؟ من هو ؟ .. لم أعرف ما إذ كنت قد نجوت حيّا أم لا ؟
وحينما أوشكت لحظة الرحيل، جاهدت كل شئ، ورحلت مخضّبا صدرى وظهرى بالدّم. وهكذا مضيت عازما، دون التعثر مترنّحا بنزيفى. لم أسقط كابّا على وجهى صارخا من الألم. وعزيّت نفسي ” لست وحدى. نعم لست وحدى، لابد أن هذا الطريق المرهوب قد سار فيه غيرى من قبل. لابد من درب خفيّ. لابد من نجاة. لا بد من سبيل..”
لم أحاول إجابة عن أى شئ. وخشيت العثور على حقيقة مشوهة، أو كابوس رهيب يُلاحقتى ،فيما بقى فلم يكن طريقى أبدا هناك.. أسافر دائما وحدى إلى حياة، متعوذا، بطقوس،.. بشعائر لا يُعرف لكنه أسرارها تخوما. حياة.. لم يُذق لها عذوبة كلمات حارسة، تمنع عنّى ما قد يلّم بى. وأمتنع بها متحصنا. دائرة ليس لها حدودا. لايُصطلي فيها بعذاب. لا تميد فيها أرض بحاملها، أو تُرى فوقها سماء، تغيب بها نجوم..
وبعدتُ عن ذى الرداء، وما يُخفيه تحته، يسترهب به عينيَّ. بعدتُ عن كهفه، فلا يُخيّل لى شئ. وابتعدت أكثر، مرددا ما لا يسمعه، فى سجن يقهر الحياة ” لا تكن صنوا لى. لا تكن مثلى.. لا تخبر أحدا سّرّك مثلما فعلتُ، فكأنما تقتل نفسك بنفسك. أو تطعن فى ظهرك دون أن تدرى، مرة تلو مرة. يجعله خنجرا فى قلبك. يقتلك به، لحظة إثر أخرى، كما بسّرّى قُتلت. أو تتُهم بجنون. أو يُزعم أنك ساكن قبر، قاضيا عليك..”
نهاية الأمر نبوء بذكرى تطاردنا. تسكن سرادقنا. تحيط بنا. تنوء بحملها ظهورنا. وتنسّل إلى الروح، تهدمنا. وخلسة تغتالنا .
لم أخبره أن حكمتي أخذتها ممّا حدث قدرا، بيوم بلا تاريخ. بلا مكان. بلا زمان. لم يُذهب بى إلى ما لا مرّد منه. رغم ما سُدد للفؤاد عقب ما به أنبأت.. أيقنت أن الغرباء لا يرون ضوء قمر، ولا نجما يهدي بليل. لم يوقنوا بهدأته أبدا، أو بنور نهار. لا يعرفون قدسية حياة.
رغم عدم مفارقة أثر أنفاسه لى، فلم نقترب أكثر من ذلك. كانت هناك مسافة حديدية فاصلة، بين رغبته فى الحديث. كنت أشعر بها تحيط بى. رغبة تخترقنى من كل مكان.. وخشيت الإستماع له. لمحته وقد لوّح لى بنصف ذراعه، مؤرجحا رأسه، منصفا” لا عليك. لك حق فيما قلت. لسنا ببشر.. “
ورغم أنه رمقنى بنظرة ذات معنى، أرسلها لا تراها إلا الروح.. فقد ذهب مغزاها سُدى، غارقا بفضاء غائم. وظلّ من ورائى منزويا قصيّا. داخله شئ، تاركا أثرا يغشاه. استطاعت بصيرتى قراءته. ورأيت أشواكه تُدميه. على أية حال، واصلت مسيرى مُلقيا إليه بكلمات ” لا عليك.. دعهم يقتاتون بزعمهم، على ما يحسبونه رمادي. لن يقبضوا على ذرّ الرماد فى يوم عاصف”
كان صوتى أضعف من أن يسمعه عابر غريب، يستطيع أن يتفرسّ وجهى، ليعرف منه آثار ما حدث. لا جرم أننى أيقنت أن فرصة جوهر نجاتى أشبه بهرب من قتل إنسان، دون نظر قاتله إلى عينيه.. فلم ينظر إلى عينياّ من قبل قط، ليرى عذاب روح. لم يرَ ما فيهما. لم. ولن يحدث أبدا.
هكذا أنهيت الحديث، وأنا أضع كل شئ خلف ظهرى، غير ملتمس بقدرى عذرا. راحلا، بالقليل الذى تبقى منى. مستقبلا الفرصة الوحيدة التى لاحت لى وسط ما حيُّر العقل، عاجزا عن تفسير ما غمره دّمي.
فما نظن أن تحمله ريح عاصفة منثورا بعيدا عن الأعين، قد يقع هباؤه قريبا منا.. وأقرب مما نحسب، أو نتوقع، فلا يبرحنا أثره، ولا نعرف أو نتصور ماذا يأتى به غد لا يُسجيه أو يُخفيه شئ. بنا قد يهمُّ من قريب، قادّا معه كل ستار للترقّب.
سَكَتت عني الحيرة، ففصلتُ بنفسي عن البقعة حاضرة المجهول، منسلخا منها، كإبرة خرجت بصعوبة من صوف. حتَّى إذا أدركنى ما أدركنى قلت لنفسى ” هذا شئ قد خَلى. أمر قد مضى. ما كنت أعلم غيب ما سيحدث . وما لي أَن أكون هناك إلاّ بقدر، لا أستطيع له درءا..”
ما سألته ما بالُ هذه البقعة، أو شأن ذاك المجهول، ليس بمُزَحْزِحِ منه أو يفرقه عنه شئ. وما سألت نفسي عمّا حدث. ما كان لي أَن أدلف إليه عَمٍها. فلو عجِّل لى كلمته، مطيلا نظرته الغريبة، ربما فَرى لى ما أُسام به، يُصيبنى من حيث لا أشعر. ربما آتتنى مشُرَّعة أراجيفه، دون أن أدرى، فتدهمنى آخذة برأسي، تطلب دمي حثيثا. كما ذهبت بروحى، إعتصرتها قبضتها.
وبدأت الضجة تتوارى خلفى متناهية. خفت صفيرالريح، وصممت أذنىّ عن زعيف ما لا يُرى. جفّفّت دمّى، وجررت قدمي، واضعا يديّ على جُروحي الغائرة. هدأتُ أمام صوت واحد ينادينى. تبينّته جيدا لسابق عهدى به، رغم أنى لا أعرف له مصدرا. أصغيتُ له، أرهفت سمعى أكثر، وازدادت ثقتى فى إدراك ضالتي.. النجاة من دائرة التيه بوجهها الشبحيّ.
ولم يُرخِ القنوط قبضته عنى، حتى اكتشفت غائب الطريق. بلغته بشق النفس، بعيدا عن الخوف، سائرا بتعويذتى تحمينى، فى جادة صحيحه،.. متابعا على إستقامة واحدة نحو النور، هاربا من كهف لا يصل إليه ضياء.
سفرا إلى ماض أحمل منه ميرة لغدّ مرتقب، يحمل عنى حياة انزوت، فأرى فيها ما لا يُرى، أنفض عنه نسيانا، وتمدّه الروح بمداد من رياضها. فتستحيل أسطورة باسقة ووارفة. مثمرة دانية قطوفها.
سرماديا تطوي معها حنايا النفس أمنيات راحل، لا أنفثها فى دوامّات المستحيل. غير مطارد من شبح معذب، ينشب أظافره فى عنقى، أو وجوه أشباح مخيفة مفزعة، ترقد أسيرة محطمة، فى ظلمات قاع جٌبّ عميق.
ولم يتبقَ لي إلا ما وعيته وأدركه العقل. على الأقل أصبح فى حوزتى ما أمضى به، وأتدبّر فيه متفكرا. أرمّمّ به ذاكرة لم تتيبّس بعد، أمام لعنة، تجنبت أن يصيبنى سهمها، وما ضلّ سبيله من نصال إثم. ولم أهرب من حتمية مواجهة النفس ” حلم طويل… سبات طويل.. استغرق دهورا طويلة… “
ولم يمرّ الكثير، حتى تلمست رائحة جديدة، لا تُنسى من بعد، بارقة أمل.. كانت لحظة فريدة، وُلدت فيها من جديد.
أعظم من هذه اللحظة، وأعمق تفردا، وأكثر غرابة، حينما مضيت إلى مستقر، لاكتشفت ذاتى، مستلهما معنى الحياة، وما يكون من حكمة. تيقنت تفاصيل ملامح طيف يهديني، لا يُماري فيه على صفحة أفق بعيد،.. يرشدنى ليس ككل طيف.
صفاء مشرق العينين يتكلم لهجة لا أجهلها، حُفرت حروف لغته فى عقلي، وعلى جدران قلبى، بلون سديمي. أقبل معه ربيع بريّ، بأزاهير الغيب. بديعا، تتبدّدّت معه عصفات الريح.. منسيّة، أمام ما وقر فى نفسي. لم يختلف الأمر كثيرا عمّا دار فى خلدى، من صور كثيرة تداعت بقسمات وجه هاربة، تنعكس على حافة الأفق. تتشتت عُراها هنا وتتكسّر هناك. وتنفصم دوما قبل الإمساك بها. لم تتمكن عيناىّ من قبض تفاصيلها الملائكية فيما مضى، متلهفا. إنما كانت تراها عينا عقلى، تمسك بها، وتُوقن بوجودها، فيتجدد الأمل. طيف طالما طاردنى نوره. ولطالما فشلت كل محاولة للحاق به، حتى ظننت أنه ربما أرسلنى إلى لحدى، دون أن أراه أبدا. البشر بشر..
بلا ريّب، أهتديت به إلى الحياة. حيث يُحال التراب إلى تِبْر. ولا يُرى إلا ذهبا. هناك لا قبور. لا موتى. لا شواهد. لا أشباح لمن مضوا، مكدّرة صفو الحياة. هناك فقط .. الروح والنور والحقيقة.
حيث لا ندم على حق، ولا يكون إلاّ حق. حيث لا يُقبر أحدُ بجوف الحزن أحداً. لايواريه تحت جنح الظلام سرا، فيغيب فى النسيان. بلا شك، حين تُذعن الكلمات راغمة هناك، وتنطق بما وضع لها القدر من حروف. تحيا صادقة، بلا أوهام، غير لصيقة برحم كهف مظلم غريب. ربما فى طريقه ليصبح أطلالا واهنة، وأثرا بعد عين. وربما لن يجده أحد.. ربما.
هكذا كانت الكلمات بلا أثر يُقتفى، أو تأثير يُتصور. مجرد دخان غشّى مدينة ضاجّة، كاذبة أضواؤها، خاوية على عروشها. مجرد انعكاسات واهية على مرآة ماضٍ ناءٍ، مجتثة جذوره، ماله من قرار. عبر بها بلحظات بارقة خاطفة، لكن الحدث العظيم هو ما يبقى صداه راسخا. لا تطبق عليه قبضة نسيان، ولا يمحوه زمن، مهما مرّ من ليال، ومهما دار من أيام. هو ما يظلّ فى أعماق الذاكرة، غير ذاهب باستعذاب ألم، وضياع سنين.
كان علىّ تذكّر كل ما رأيت، وما سمعت ما دمت حيّا. واستمر مسيرى بعيدا أكثر. حادثت نفسي طيلة الوقت، محاولا إستعادة ذاكرتي المفقودة. اختلط الحلم بالواقع. انصهرت الحقيقة فى الخيال، كما ضاع الزمان و تلاشى التاريخ.
وكلما تقدمت خطوة، تذكّرت أكثر ما حدث.. ذكريات وراء ذكريات. وأصبح هنالك دوما ذلك الهاجز، بأن ما كان كان يجب أن يكون.. لا يمكن أن أسقطه هو الآخرمن ذاكرتى، التى لم تعد مفقودة مع كل خطوة أخطوها. بات كل ما أراه يذكّرنى بنقطة بعيدة من الماضي البعيد.
هل لم يكن سوى عالما آخرا، ما تبقى منه ضباب، مجرد هباءات ريح وشذرات غبار. عالم لا منطق يحكمه، ولا يقطع فيه عقل.
هل كانت حافة سراب ضائعة، لا يعرف فيها قصّاصُ أثر من ظلالها الباهتة شيئا. لا هى حيّة.. فيدرك حقيقة كاملة. ولاهى مضت عنه، فتضيع الحقيقة. لا يزال الأمر غامضا، لم يتبيّنه أحد، فلا إجابة مطلقا هناك..
الرداء.. من صاحبه. أكان هو أنا. أم أنا هو ؟ الكهف.. أله كان؟ أم لى كان ؟ أمِرآة روح قد رأيت فيها نفسي. أم هو الذى فيها رآنى؟ آثار غريبة لهذيان ذاكرة. وساوس نفسية قهرية أم هلاوث بين يقظة وإغماء؟ أم جنون حلم، وراء حُجُب العقل ؟ أكانت أشباح لا يُمتلك أمام مسّها إختيار؟ أم مفاتيح وإشارات لذكريات مراوغة؟
أم ما كنتُ بالضرورة، محتاجا لأتجرد من خياله، متخلصا من أوهام أسقطت الذاكرة و الوعى؟
لم أعلم أبدا عمّن كنت أبحث عن نفسي أم عنه.. عن مشكاة نور أم بصيص لنقطة ضوء ؟ أم قدرا مجهولا، كان فى رحلة بحث عنى، فكنتُ أو كان ؟
شئ من قبيل أن تكون مسحورا. صوابه الوحيد، أنه ليس بوسع أحد أن يُوقف رحلة تأويل حقيقة.. ماذا حدث وكيف كان؟





