حين تتساوى الأصوات: “الجهلة والمفكرين”

حين تتساوى الأصوات: “الجهلة والمفكرين”
بقلم/ خالد محمد عبد السلام
في زمن أصبحت فيه المنصات الرقمية منابر مفتوحة لكل من يملك اتصالًا بالإنترنت، برزت أزمة فكرية خطيرة: تسوية الآراء، حيث تُعرض آراء الحمقى والسطحيين جنبًا إلى جنب مع أفكار العلماء والأدباء والمفكرين، وكأن القيمة واحدة، والمصدر سواء.
ليست المشكلة في إتاحة التعبير للجميع، فهذا من أبسط حقوق الإنسان، بل في غياب التمييز بين الرأي المُستنير والرأي الجاهل. حين يقول الجاهل قولًا في الطب أو الدين أو الفلسفة، ثم يُقابل كلامه – في المساحة والزخم – بكلام عالم قضى عمره في البحث والتأمل، فإننا لا نمارس حرية التعبير، بل نخون العقل ونُهين الحقيقة.
وسائل التواصل الاجتماعي، بما تتيحه من تفاعل سريع وانتشار واسع، سوّت بين العلم والتفاهة، ورفعت شعار “كل الآراء محترمة”، حتى وإن كانت بعض الآراء جريمة فكرية في حق الوعي. لا، ليست كل الآراء متساوية، فهناك رأي يُبنى على جهل، وآخر يُبنى على علم؛ وهناك كلام يُنطق لهدم العقول، وكلام يُقال لتهذيبها ورفعها.
إن خطر هذه التسوية لا يقف عند حدود النقاش، بل يتسلل إلى القرار السياسي، والتصور الاجتماعي، ومكانة العقل ذاته في الوعي الجمعي. حين يُمنح الجاهل المنصة ذاتها التي يُمنحها المفكر، ينكسر ميزان القيم، ويختل معيار الثقة، فيصبح الناس في حيرة: من نصدق؟ وأي قول نتّبع؟
واجبنا، في هذا العصر المربك، أن نعيد الاعتبار للعقل، لا بمنع الصوت الجاهل، بل بتمييزه وفضحه وكشف خوائه. لا يصح أن نساوي بين الضجيج والمعرفة، ولا أن نقف على الحياد حين تكون الحقيقة ضحة.