لايت

عيد الأضحى... محطة إنسانية واجتماعية تتجدد كل عام

بقلم. عالية الهملان

يأتي عيد الأضحى المبارك في كل عام ليجدد في النفوس قيمًا عظيمة تتجاوز الطقوس الدينية، إلى مفاهيم إنسانية ومجتمعية راسخة.

إنه عيد التضحية والتكافل والتقوى، وواحدة من أهم المحطات التي تُعيد توازن العلاقات الاجتماعية وتقوّي الأواصر بين أفراد المجتمع الواحد. في هذا اليوم المبارك، يستحضر المسلمون ذكرى تضحية نبي الله إبراهيم عليه السلام، حين قَبِل بأمر الله في أن يُقدّم فلذة كبده إسماعيل قربانًا، إيمانًا وتسليمًا، فكان الفداء من الله رحمة وعبرة.

إنها قصة طاعة خالدة تُحيي فينا معاني الصبر والإيمان والإيثار. ولكن العيد لا يقتصر على شعيرة النحر وحدها، بل يتجاوزها إلى مظاهر اجتماعية تتسم بروح العطاء والتواصل والتراحم.

ففي صباح العيد، تمتلئ المساجد بالمصلين، وتُرفَع الأكف بالدعاء، وتبدأ مظاهر الاحتفال التي تعزز روابط الأسرة والمجتمع، من زيارات ولقاءات وتبادل تهاني وأمنيات طيبة. واحدة من أبرز القيم التي يرسخها عيد الأضحى هي قيمة التكافل. فتوزيع لحوم الأضاحي على الفقراء والمحتاجين ليس مجرد واجب ديني، بل هو رسالة اجتماعية قوية تعكس عدالة التوزيع ومراعاة حقوق الآخرين، خاصة في ظل تفاوت الأحوال المعيشية بين الأفراد.

وقد أظهرت دراسات اجتماعية أن مشاركة الفقراء في فرحة العيد من خلال الأضاحي والعيديات تُسهم في تعزيز التماسك المجتمعي وتقلل من مشاعر التهميش كما يُسهم العيد في تقوية البناء النفسي للفرد، خاصةً أنه يرتبط بذكريات جميلة، وأجواء مبهجة، وتواصل دافئ.

وقد أكدت أبحاث في علم النفس المجتمعي أن الأعياد الدينية ترفع من معدلات الرضا النفسي والانتماء، خصوصًا في البيئات التي تعاني من العزلة أو التوتر. ومن جانب آخر، فإن من الضروري أن لا يغيب عن وعينا واجب شمول الفئات الأكثر هشاشة في مظاهر هذا العيد، كالأيتام، وكبار السن، والمرضى، ونزلاء السجون، واللاجئين.

ففرحة العيد يجب أن تُوزَّع بعدل ورحمة، ليبقى العيد رمزًا للإنسانية لا مجرد مظاهر. عيد الأضحى كذلك مناسبة مهمة لترسيخ الهوية الوطنية والثقافية والدينية، من خلال الأزياء التقليدية، والأطعمة الشعبية، والعادات المتوارثة، وهو ما يُعزّز من ارتباط الأجيال بهويتهم الأصلية، خاصة في زمن تتسارع فيه المؤثرات الثقافية الخارجية.

في النهاية، فإن عيد الأضحى هو أكثر من مناسبة دينية، إنه دعوة سنوية لإعادة ترتيب الأولويات، والنظر في حال المجتمع، وتقوية جسور الرحمة والعدل بين أفراده. وإذا كنا نبحث عن مجتمع صحي ومتماسك، فعلينا أن ننظر إلى مثل هذه المناسبات كفرصٍ لبناء الإنسان والمجتمع الواحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

slot gacor

joker gaming