غزة نموذجا.. رواد الاقتصاد تحاور الدكتورة مها الشيخ حول تحديات سلاسل إمداد الغذاء
حوار: حسام الحرباوي
حاورت رواد الاقتصاد الدكتورة مها الشيخ أستاذ في سلاسل التوريد والدعم اللوجستي الرقمي في جامعة الشرق الأوسط، حول تحديات سلاسل الغذاء والتي أكدت في بداية الحوار أنها سعت طوال مسيرتها المهنية لفهم ديناميات سلاسل إمداد الغذاء والأمن الغذائي في مناطق النزاع و الحروب، مشيرة إلى أن الوضع في غزة الآن يوفر مثالا واضحا لهذا الموضوع الهام والأضرار الجسيمة في المناطق الزراعية.
وقالت مها الشيخ، إنها ترى أن تعطل سلاسل إمداد الغذاء خلال النزاعات والحروب يشكل تحديا هائلاً يؤدي إلى عدم الأمن الغذائي وسوء التغذية والجوع، مشيرة إلى أنه يمكن تصنيف هذه التحديات بشكل عام إلى عوائق مادية واقتصادية ولوجستية واجتماعية.
أضافت: وتعتبر أحد أبرز التأثيرات المباشرة للنزاعات تدمير البنى التحتية الحيوية لسلاسل إمداد الغذاء، منوهة بأن القصف والمعارك البرية تدمر الأراض الزراعية والمشاتل وأنظمة الري، مما يقلص بشكل كبير من قدرة الإنتاج المحلي للأغذية.
فضلا عن التأثير سلبا على البنى التحتية للنقل مثل الطرق والجسور والموانئ والتي دائما ما تكون هدفا معتادا في النزاعات، مما يعرقل نقل الغذاء من المنتجين إلى الأسواق والمستهلكين.
وأكدت الدكتورة مها الشيخ أن الأضرار في مرافق التخزين مثل المستودعات والمخازن تؤدي إلى فقدان المخزونات المخزنة وتعقد تخزين المحاصيل المستقبلية.
ولفتت إلى أن النزاعات تلحق أضرارا كبيرة بالاقتصادات، مما يؤثر بدوره على سلاسل إمداد الغذاء، وغالباً ما يفقد المزارعون والمنتجون الأغذية مصدر رزقهم، مما يقلل من قدرتهم على الاستمرار في إنتاج الطعام.
وأوضحت الشيخ، أن النزاعات تؤدي عادة إلى التضخم المفرط وتقلبات كبيرة في الأسعار، مما يجعل من الصعب على الناس تحمل تكاليف الطعام حتى عندما يكون متاحا.
بالإضافة إلى ذلك، تعقد تخفيض قيمة العملة المحلية أثناء النزاعات استيراد الأغذية، مما يزيد من نقص الموارد.
وألمحت بأن لوجستيات نقل الطعام من مواقع الإنتاج إلى المستهلكين تتأثر بشكل كبير خلال النزاعات، فضلا عن الحصارات والحظر ونقاط التفتيش يمكن أن تعطل تدفق السلع بسلاسة، مما يؤدي إلى التأخيرات وزيادة التكاليف.
كما أن نقص الوقود الشائع خلال النزاعات يعقد أيضا جهود النقل عن طريق زيادة التكاليف وتسبب التأخيرات.
وأكدت مها الشيخ، أن المنظمات الإنسانية تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى مناطق النزاع لتقديم المساعدات الغذائية بسبب مخاوف الأمن والعقبات البيروقراطية.
وحول المشهد الاجتماعي والسياسي أثناء النزاعات، قالت مها الشيخ إنه يشكل حواجز كبيرة أمام الحفاظ على سلاسل إمداد الغذاء، فالنزاعات غالبا ما تجبر أعدادا كبيرة من الناس على مغادرة منازلهم، مما يؤدي إلى نزوح المزارعين وتعطيل الأنشطة الزراعية.
بينما في بعض النزاعات، تكون إمدادات الطعام هدفاً مستهدفاً أو تُستخدم كسلاح في الحرب، حيث يتم استخدام تدمير إمدادات الطعام أو تقييدها لإجبار السكان على الاستسلام.
وبينت أن انهيار المؤسسات الحكومية خلال النزاعات يؤدي إلى نقص التنسيق والتنظيم لسلاسل إمداد الغذاء، مما يجعل من الصعب إدارة وتخفيف الاضطرابات.
وذكرت أن ضمان سلامة أولئك المتورطين في سلاسل إمداد الغذاء يمثل تحديا كبيرا أثناء النزاعات، غالباً ما يكون المزارعون وعمال النقل والعمال الإنسانيون عرضة للعنف، مما يجعل الإنتاج والنقل والتوزيع الآمنين للطعام أمراً خطيرا.
كما يتم نهب إمدادات الطعام بشكل متكرر خلال النزاعات، مما يزيد من نقص الموارد ويجعل من الصعب الحفاظ على سلاسل الإمداد المستقرة.
وشددت الدكتورة مها الشيخ على أن الوضع في غزة يوفر مثالاً واضحاً على هذه التحديات، فالنزاع المستمر والحصار أدى إلى أضرار زراعية شديدة، حيث أن أكثر من 75% من الأراضي الزراعية في غزة أصبحت غير قابلة للعمل بسبب الأعمال العسكرية.
ومع تعطيل الإنتاج المحلي، تعتمد غزة بشكل كبير على الأغذية المستوردة، التي غالباً ما تقتصر بسبب الحصار على المعونات.
وأكدت أن الحصار على ادخال المساعدات الغذائية وتدمير المزارع والأراض و الإنتاج المحلي للطعام أدى إلى أزمة إنسانية خطيرة مما يتسم بانتشار الجوع وسوء التغذية.
وأشارت إلى أن حرب التجويع وموت الأطفال الأبرياء جوعاً تعتبر من أكثر التحديات إيلاماً في النزاعات، وعندما تُستخدم إمدادات الطعام كسلاح، يتم إجبار السكان على مواجهة الجوع القاس، والذي يكون له آثار مدمرة على الأطفال، فالأطفال هم الأكثر عرضة لسوء التغذية، مما يؤدي إلى عواقب صحية ونمائية طويلة الأمد.
وأكدت أن عدم وجود الغذاء الكافِ للأطفال يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدل وفيات الأطفال، ويعزز دائرة الفقر والمعاناة.
أضافت الدكتورة مها الشيخ ، أن الحفاظ على سلاسل إمداد الغذاء أثناء النزاعات مليء بالتحديات العديدة، فالتدمير المادي، والاضطرابات الاقتصادية، والعقبات اللوجستية، والحواجز الاجتماعية والسياسية، ومخاوف الأمن كلها تلعب دورًا في جعل من الصعب ضمان الأمن الغذائي للسكان المتضررين،
وشددت على أن معالجة هذه التحديات تتطلب جهودًا دولية منسقة، وتدخلات إنسانية قوية، وفي النهاية حل النزاعات الأساسية لاستعادة الاستقرار وضمان أن تعمل سلاسل إمداد الغذاء بفعالية.
وخلال حوارها قالت إنها تعتقد أنه فقط من خلال الجهود المستمرة والشاملة يمكن تخفيف التأثير المدمر للنزاعات على سلاسل إمداد الغذاء.