آراء حرة

أزمة اللاجئين في مصر وإشكالياتها وحتمية الدعم

بقلم / محمد السعيد

 

لا أحد ينكر أن استضافة المصريين للاجئين من كل حدب وصوب يؤكد أن مصر تقبل التنوع الثقافي ،الذي من شأنه يعزز التفاهم والتسامح بين الثقافات المختلفة ،لكن مع التفاقم الكبير في أعداد اللاجئين بمصر فإن ذلك من شأنه يشكل عبئاً اقتصادياً ضخماً على الموازنة العامة للدولة ،في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة ودولًا عديدة من العالم تحديات وتغيرات اقتصادية وجيوسياسية عظيمة فرضت نفسها على الكثير من الدول المضيفة للفارين من مناطق الصراعات العسكرية أو التقلبات السياسية أو اضطهاد لحقوق الإنسان ،وتعد مصر من الدول الحاضنة لللاجئين التي فتحت الباب على مصراعيه لاستقبال الكثير من الجنسيات متحملةً بذلك مسئولية دولية شاقة لم تجد من يتقاسمها معها بنفس المستوى، فتجد اللاجئين يعيشون في مصر لا فرق بينهم وبين المواطنين المحليين والكثير منهم يتلقون خدمات الرعاية والدعم بمختلف القطاعات كما يتلقاه المواطنون دون تفرقة ، ولعل المستفيدين الأجانب من مبادرات رئاسية عدة كحملة 100 مليون صحة على سبيل المثال، ومنها الهادفة للقضاء على “فيروس سي” ،التي أطلقتها الدولة المصرية ليست ببعيدة لتشمل المقيمين الأجانب على أراضيها ،إضافة إلى أنه من المستحيل أن تجد في مصر مخيمات لإيواء اللاجئين بل هناك أحياء ومناطق شعبية شهيرة تكاد تمتلئ عن آخرها بجنسيات أجنبية يشاركون اخوانهم المصريين في السكن الأمر الذي أدى إلى زيادة أعباء وتكاليف السكن وزيادة القيمة الإيجارية في هذه المناطق.

هذا الكرم الزائد من الشعب المصري كعادته من الممكن أن يتسبب في مشاكل وأعباء إقتصادية لاتحمد نتائجها مستقبلاً ،إذا لم تدق مصر ناقوص هذا الخطر المحدق بها ، ويتنبه المجتمع الدولي لهذه الأزمة التي تلوح في الافق قبل فوات الأوان فهذا الحمل الثقيل الذي ينبئ بكارثة إذا لم تتدخل الأطراف المعنية بدعم مصر فربما لن تكن لديها القدرة على الاستمرار في تحمل مسئولياتها التي تؤديها تجاه اللاجئين نيابة عن العالم كراعية وحامية لحقوق الإنسان من اللاجئين.

وإذا ما أشرنا إلى التقارير الرسمية المعنية بحصر أعداد اللاجئين في مصر نجد أن أعدادهم قدرت بنحو 9 مليون لاجئ حتى عام 2022، أما بالنسبة للإحصاءات غير الرسمية فنجد أنها تخطت 15 مليون لاجئ حالياً بنسبة تتخطى 15% من إجمالي عدد مواطني مصر ،هذه الزيادة تأتي مع التوترات التي تشهدها عدة دول بالمنطقة وخاصة مع استمرار الحرب في السودان ،مما يجعل مصر واحدة من أكبر الدول المضيفة للاجئين في المنطقة.

ومع كل هذه المؤشرات لا ننكر أن مسألة وجود اللاجئين في مصر يعد سلاحاً ذو حدين وله تأثيراته الإيجابية والسلبية أيضاً على حد سواء فبينما يساهم اللاجئون في القوى العاملة، ويقدمون مهارات وعمالة متنوعة ،ودليل على ذلك غالبية اللاجئين من الأشقاء السوريين ،وفعاليتهم في تحقيق نمو في سوق العمل من خلال العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أقاموها على مدار إقامتهم في البلاد ،إلا أننا نجد وعلى الجانب الآخر فنجد أن مهاجرين من جنسيات أجنبية أخرى منخفضة الأجور قد يتسببوا في حدوث تعارض في المصالح مع العمالة المصرية ،لا سيما في القطاعات ذات المهارات المنخفضة.

هذه المنافسة، إذا لم تتم إدارتها بعناية، يمكن أن تساهم في تفاقم معدلات البطالة بين المصريين والتي تبذل فيها الدولة جهوداً مضنية للحد من تنامي نسبها.

وإذا ما تطرقنا إلى الزيادة في عدد السكان فنجد أن اللاجئين في مصر زادوا من معدلات الزيادة السكانية وهو ما يعتبره كثيرون أهم معوقات التنمية والتي تكون نتيجتها زيادة الطلب على السلع والخدمات الأساسية التي تسعى الدولة جاهدة في توفيرها للمواطنين قدر الإمكان. وفي حين أن هذا يمكن أن يحفز الأسواق المحلية على الإنتاج وكثرة الاستهلاك ، إلا أنه من الممكن أن يزيد من خطر الضغوط التضخمية بمنظومة الاقتصاد المصري، بسبب الاستيعاب الزائد عن الحد للمهاجرين إليها وتتطلب هذه الاعتبارات جهوداً كبيرة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والأمني في البلاد.

كما أن زيادة الطلب من قبل اللاجئين على خدمات التعليم والرعاية الصحية والإسكان يتزايد بشكل ملحوظ وبدون الدعم الكافي يمكن أن تتعرض هذه الخدمات لأعباء جسام، مما يؤثر سلباً على كلا الطرفين اللاجئين والدولة المضيفة .

وإذا ما تذكرنا التجربة التركية مثلاً في تعاملها مع ملف النازحين من الأشقاء السوريين أثناء وبعد الثورة السورية ،وكيف استطاعت تركيا أن تستغل أزمة النازحين كقوة ضاغطة على أوربا لتنجح في الحصول على دعماً مادياً وسياسياً على تحملها تواجد المهاجرين الشرعيين والغير شرعيين على أراضيها وتنظيم هجرتهم لأوربا ،وهذا ما تحتاج إليه مصر دون التطرق الى استخدام قسوة أو عنف أو تصديراً لأزمة تؤثر سلباً على دول أخرى ،فرغم حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الضغط الذي يشكله الضيوف، وهو المصطلح الذي عادة ما يطلقه على المهاجرين واللاجئين، على الموارد المصرية المحدودة، ضارباً المثل بالمياه، قائلاً إنهم يستهلكون مياهاً تصل إلى 4.5 مليار متر سنوياً، إذا ما تم احتساب متوسط استهلاك المياه في مصر بنحو 500 متر، مايمثل عبئاً كبيراً ، ناهيك عن المساعي المصرية الحكومية لدى الأطراف الدولية المعنية ومطالبتهم بتوفير الدعم اللازم للدولة للاستمرار بواجباتها تجاه المهاجرين المقيمين على أراضيها ، فنجد أن هذه المساعي لم تأتي بثمارها المرجوة ،فكان لزاماً على المجتمع المدني المصري التحرك وحشد الطاقات في إطار تحكمه القانون والدبلوماسية الشعبية التي تعد أقصر السبل لإيصال المطالب المصرية الأصيلة لنيل حق الدولة في الحصول على دعم يليق بما تتحمله من مسئولية جسيمة في إطارالتزامها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان ، ولعل ما يجب أن يحدث في هذا الصدد هو تنظيم مؤتمراً لقوى المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان لتبادل الرؤى وفتح النقاش حول التوصل الى صياغة مذكرة بأهم المطالب التي توفر للدولة المصرية الدعم اللازم كبلد مضيف للاجئين والمهاجرين ورفعه بمباركة من مؤسسات الدولة المعنية إلى المؤسسات والهيئات والدول المعنية بملف حقوق الإنسان وخاصة المهاجرين واللاجئين ولتكون هذه المطالب بمثابة جرس إنذار للعالم بما قد يحدثه من تداعيات سلبية خطيرة ، حال استمرار تدفق النازحين واللاجئين إلى مصر دون دعم أو تنظيم لهذه المسألة كمسئولية دولية تجاه جمهورية مصر العربية و من خلال تضافر الجهود يمكن لمصر أن تكون نموذجا مثاليًا يحتذى به في المرونة الاقتصادية والتضامن الاجتماعي في مواجهة التحديات العالمية الجديدة.

#

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *