خبير سياسي: استراتيجية إسرائيل في غزة ضبابية

تواجه إسرائيل مرحلة مفصلية بعد وقف عدوانها على غزة، حيث تتراوح خياراتها بين الاستمرار في النهج العسكري التقليدي أو البحث عن حلول سياسية أكثر استدامة.
خبير سياسي: استراتيجية إسرائيل في غزة ضبابية
وفي هذا الصدد قال أستاذ العلوم السياسية بالناصرة الدكتور سهيل دياب، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إنه بعد وقف العدوان في قطاع غزة يوم 19 يناير 2025، انقسمت ردود الفعل الإسرائيلية إلى تيارين مختلفين.
التيار الأول
رأى التيار الأول، حسب دياب، أن المشاهد العسكرية المتجددة تمثل تهديدًا إضافيًا، تعيد للأذهان أحداث السابع من أكتوبر، ما أثار حالة من الصدمة والقلق بشأن المستقبل.
وهذا الشعور عبّر عنه سياسيون وعسكريون وإعلاميون ومؤثرون، معتبرين أن التصريحات الرسمية السابقة حول القضاء على قدرات حماس والاستعداد لمرحلة ما بعد حماس لم تعكس الواقع الحقيقي.
التيار الثاني
في المقابل، طرح التيار الثاني رؤية مغايرة، معتبرًا أن إسرائيل تعاملت في هذه الحرب بطريقة أقرب إلى أسلوب الفصائل المسلحة، ما كشف نقاط ضعف استراتيجية خطيرة.
وأوضح دياب أنه حتى بعض القادة العسكريين السابقين، مثل رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، أشاروا إلى أن الأداء الإسرائيلي شابه العديد من الأخطاء، ما دفع بعض الأصوات إلى وصفه بأنه أشبه بـ”إبادة جماعية”، وهو وصف يعكس نظرة نقدية حادة داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
الموقف الإسرائيلي من حماس
أشار دياب إلى أن وقف إطلاق النار وتسوية صفقة التبادل طرحت تساؤلات حول الموقف الإسرائيلي الحقيقي من حماس. فعلى الرغم من التصريحات القائلة بأن الحركة قد انتهت عسكريًا، إلا أن توقيع اتفاق غير مباشر معها أثبت العكس.
كما أثيرت تساؤلات عديدة بشأن الجهة التي تفاوضت معها إسرائيل سرًا لضمان تنفيذ الصفقة، وخاصة أن الأجهزة الأمنية والدفاع المدني في غزة التي نفذت الترتيبات الأمنية تتبع حماس بشكل مباشر.
الإبقاء على حماس
هذا الواقع، حسب دياب، جعل العديد من المراقبين يشيرون إلى أن إسرائيل اضطرت إلى الإبقاء على حماس كطرف فاعل، على الأقل لضمان استعادة الأسرى الإسرائيليين.
وهو ما يكشف تناقضًا واضحًا في الاستراتيجية الإسرائيلية التي حاولت إنكار وجود حماس من جهة، لكنها تعاملت معها كواقع لا يمكن تجاوزه من جهة أخرى.
انعكاسات دولية وإقليمية
يرى أستاذ العلوم السياسية أنه على المستوى الدولي، رأت العديد من الأطراف أن المشاهد القادمة من غزة تؤكد أن تجاهل حماس في أي ترتيبات مستقبلية للقطاع أمر غير واقعي. فبرغم الضغوط السياسية والعسكرية، لا تزال الحركة تمتلك نفوذًا لا يمكن تجاوزه.
وأن أي محاولات لإعادة ترتيب الأوضاع في غزة دون الأخذ بعين الاعتبار الدور الفلسطيني العام، وحماس بشكل خاص، لن تكلل بالنجاح. وهذه المعطيات جاءت لتعيد صياغة المشهد السياسي في غزة، حيث أصبحت إسرائيل مضطرة للتعامل مع واقع جديد، يعكس مدى تعقيد الصراع وتشابك المصالح بين الأطراف المختلفة.
إعادة الحسابات في إسرائيل
أوضح سهيل إنه مع توقيع صفقة التبادل ووقف الحرب، بدأت إسرائيل تدخل مرحلة إعادة الحسابات والتقييم الداخلي. لقد انتقلت إسرائيل من مرحلة “الصدمة والانتقام” بعد 7 أكتوبر إلى مرحلة النقاش الواسع حول التداعيات المستقبلية.
وأضاف أنه بدأت تتعالى الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي التي تدعو إلى مراجعة السياسات العسكرية والتفكير في خيارات أكثر عقلانية. وبدأ هذا النقاش يأخذ منحى أكثر تعمقًا حول مستقبل الحروب المتكررة، وما إذا كانت إسرائيل مستعدة لخوض نزاعات دورية كل عدة سنوات، مع ما يترتب على ذلك من خسائر بشرية واقتصادية واستراتيجية.
تساؤلات تطرح نفسها
يقول دياب أنه قد بدأت تساؤلات عديدة تطرح نفسها، هل ستظل إسرائيل رهينة لدورة الحروب المتكررة، أم أنها ستسعى لنهج أكثر توازنًا في تعاملها مع الفلسطينيين وجيرانها في المنطقة؟
وأوضح دياب أنه قد بدأت بوادر التفكير العقلاني تتبلور داخل الأوساط السياسية والمجتمعية في إسرائيل، حيث يدعو البعض إلى التخلي عن عقلية الاستعلاء والتعامل مع الواقع الإقليمي بمرونة أكبر.
التعاون بدل المواجهة
أشار دياب إلى أنه قد خرجت دعوات تنادي بأن تصبح إسرائيل “دولة عادية” في الشرق الأوسط، تحترم حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتسعى لعلاقات قائمة على التعاون بدلاً من المواجهة المستمرة.
ورغم أن تحقيق هذا التوجه ليس أمرًا مؤكدًا في المستقبل القريب، إلا أن النقاشات المتزايدة حوله تعكس تحولات محتملة قد تؤثر على السياسات الإسرائيلية في السنوات المقبلة.