آخر الأخبارآراء حرة

حنين ويقين وتهذيب النفس في رمضان

شاهيناز عباس تكتب:

١..تدرجات الارتقاء

في سكون الليل …طوت حنين اوراقها والوانها في خمول بعد أن انجزت بعض ابداعاتها الفنية في تصميم مجلات ثقافية تحب ان تصممها بمفردها كهواية ابداعية رغم ان لا احد يقرأها سوي اصدقاءها وافراد اسرتها …الا انها تستمع بذلك فحتي غلاف المجلات تصممه وتلونه بنفسها ..أسمت المجلة عين الحياة ..وكأنها نافذتها علي العالم من حولها

عين الحياة مجلتها الخاصة بأفكارها الابداعية تعرض خلالها افضل المقالات والدراسات من وجهة نظرها والتي التي قرأتها خلال الاسبوع في كل الصحف والمجلات التي تحرص علي شراءها يوميا …كما انها ترسم بعض الصور التعبيريه التي تضيف لمجلتها بعدا فنيا خاصا بها ..هذة طريقتها المفضلة في تمضية الوقت فما اجمل ان تكتسب المزيد والمزيد من المعلومات والافكار الجديدة

كانت دائما حنين توقن ان قيمة الانسان بداخل نفسه وما يكتسبه من علم واخلاق وبما يحاول ان يرتقي به في مجالات الحياة وبما يقاوم به كل ما يقلل من مكانته الدينيه والاخلاقية فالرتوش الخارجية التي يحاول ان يتجمل بها ما هي الا محاولات غير مجدية ومتصنعه …فقاعة تتلاشي عند اول اختبار …

وعندما خاضت تجربة ترديد الآيات طوال اليوم كما نصحتها صديقتها التي فقدت ابويها في عام واحد فظلت تردد اية (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) طوال الوقت حتي استردت نفسيتها التوازن وقللت من الحالة السيئة التي كانت ستتردي اليها لولا الأذكار والآيات التي كانت لا تكف عن قولها حتي تهدأ….جربت حنين ترديد آيه تستوقفها من خلال قراءتها للقرآن ..فيوما مثلا ظلت تردد آية( ففهمناها سليمان )ومرة اخري آية ( الله لا اله الا هو الحي القيوم)طوال اليوم فطغت هذه الآيات المباركات علي سيء الافكار والوساوس لديها فحدث التوازن النفسي والعقلي بفضل الله

ارهقت ذهنها فترة من الوقت الاسئله الوجوديه والميتافيزيقية والغموض الذي يحيط بفهم النفس وطلاسم الذات ومواجهة الحياه بكل ما فيها من صور غامضة ملتبسة ومخاوفها من الموت فانهمكت بقراءة متأنية في كتب علم النفس والفلسفه

من خلال قراءتها لبعض كتب الميثولوجيا والذي يعني علم دراسة الاساطير جذبتها شخصية ايكاروس في الاسطورة الاغريقية والذي ادي طموحه الزائد في النهايه الي هلاكه فهو الشاب الذي حلق بجناحين من ريش وشمع وعندما حاول الاقتراب من الشمس ذاب الشمع وهلك إيكاروس ومات غرقا رغم تحذير والده المهندس المعماري ديدالوس الاثيني فقد كانا سجينين في المتاهه التي صنعها والده بنفسه بأمر من ملك كريت مينوس ليسجنهما داخلها بعد اكتشاف ملك كريت خيانة ديدالوس

ورغم استحالة الفرار من هذه المتاهة الا ان الاب المهندس الفذ استطاع ان يكتشف حيلة للفرار وهي تركيب جناحين لابنه للطيران فوق المتاهة ولكن حذره الا يقترب من الشمس حتي لايهلك وهذا ما حدث للابن في نهاية الاسطورة الخيالية بالفعل و كثير من الأدباء نعتوا ايكاروس بالشخصية المفرطة في الطموح وآخرين نعتوه بالسذاجه والتهور وعدم التقدير الصحيح لعاقبة الأمور وكأن المتاهة هي الدنيا التي يجب أن نتخطاها بحكمة ورويه وعدم اندفاع حتي لا نهلك مثل إيكاروس

وأما يقين وهي صديقة حنين فكانت شخصية واقعية تبرع غالبا في صناعة بعض الأعمال اليدويه والتي تروجها من خلال صفحتها الخاصة تجيد انتقاء الألوان والأشكال المتناغمة التي تجذب الانظار كملابسها الشخصية التي تحب ان تكون فيها الوان لافته كالاحمر الصريح أو الورود الظاهرة عكس صديقتها حنين التي كانت لا تحب الا الألوان الهادئه و المحايدة أو الحيادية

لا تهوي يقين قراءة الكتب كثيرا مثل حنين ولكنها عندما وجدتها تقرأ كتاب فقه اللغه للثعالبي والذي استعارته حنين من مكتبة والدها والذي يدرس بالمعني الحالي المتلازمات اللفظية وهي الكلمات المترابطة التي تضفي علي الامثال دلالات عميقة ودقيقة للمعني اللغوي مثل( غيض من فيض) أو(شارد الذهن) (يسري كالنار في الهشيم) وهكذا اقترحت عليها ان تقرأ معها بعض الفقرات التي اعتقدت حنين انها هامه وكتبتها حنين في مفكرة اعتادت حنين تدوين بعض لمحاتها اليومية داخلها

فأقترحت يقين علي حنين بما أنها لا تصبر علي قراءة الكتب ان تمدها بهذه اللمحات الثقافية التي تجمعها حنين وان يتشاركا من حين لآخر قراءة بعض قراءة بعض الكتب فيمضيا وقتهما بطريقة نافعه
فأمدتها حنين بمقتطفات من كتاب الثعالبي أعجبتها في باب (الكليات) بتشديد الياء وهو كل ما يطلق عليه كل مثل:
كلُّ ما عَلاك فأظلَّك فهو سماء
كلُّ أرض مُسْتَوِيَةٍ فهي صَعيد
كلُّ حاجِزِ بَينَ الشَيْئينِ فَهو مَوْبِق
كل بِناءَ مُرَبَّع فهوَ كَعْبَة
كلُّ بِنَاءٍ عال فهوَ صَرْحٌ
كلُ شيءٍ دَبَّ على وَجْهِ الأرْضِ فهو دَابَّةٌ
كلُّ ما غَابَ عن العُيونِ وكانَ مُحصَّلا في القُلوبِ فهو غَيْب
كلُّ ما يُستعارُ من قَدُومٍ أو شَفْرَةٍ أو قِدْرٍ أو قَصْعَةٍ فهو مَاعُون
كلُّ شيءٍ منْ مَتَاعِ الدُّنْيا فهو عَرَض
كلُّ أمْرٍ لا يكون مُوَافِقاً للحقِّ فهو فاحِشة
كلُّ شيءٍ تَصيرُ عاقِبتُهُ إلى الهلاكِ فهو تَهْلُكة
كلُّ ما هَيَجتَ بهِ النارَ إذا أوقَدْتَها فهو حَصَب
كلُّ نازِلةٍ شَديدةٍ بالإِنسانِ فهي قارِعَة
كلُّ ما كانَ على ساقٍ من نَباتِ الأرْضِ فهو شَجَرٌ
كلُّ شيءٍ من النَّخلِ سِوَى العَجْوَةِ فهو اللَينُ واحدتُه لِينَة
كلُّ بُسْتانٍ عليه حائطٌ فهو حَديقة والجمع حَدَائق
كلُ ما يَصِيدُ من السِّبَاعِ والطَّيرِ فهو جَارِح ، والجمعُ جَوَارِحُ.

يقين أعجبتها هذه اللمحات التي اختارتها حنين التي تساعدها في تنمية ثقافتها وأخذت يقين تكررها كثيرا حتي حفظتها تقريبا بدون قراءة مطوله قد تمل منها
كما ارسلت لها حنين الكتاب بصيغة صوتية لتستمع اليه خلال ممارستها لهوايتها المفضلة في الأعمال اليدوية

٢…تأملات في البيان والتبيين

كتبت حنين في مذكراتها اليومية كيف انها تشعر بتحسن حالتها النفسية في رمضان وكيف انها استطاعت التغلب علي بعض المشكلات التي تواجهها طوال العام من صعوبة التركيز في المهام اليومية وعدم تنظيم الوقت الا انها لاحظت انها في الشهر الفضيل يتوازن لديها تدبر الامور وتقوي لديها الارادة والعزيمة و قدرتها علي تحمل ضغوطات الحياة
ضبط الذات والتكيف مع متطلبات الصيام هو تدريب للانسان وتقوية لارادته في السلوك اليومي المعتاد في حالة ايمانية ربانية انسانية تعزز القدرات الداخلية فهو صاحب القرار وهو الذي يصبر لوجه الله تعالي فتتهذب نفسه تدريجيا ويصل الي حالة من السلام النفسي والتقوي
كما كتبت حنين انها شعرت بانها لابد من تغيير الطريقة النمطية التي تضيع بها الأوقات في هذه الايام المعدودات التي اعتاد عليها الاغلبية فالاولوية للروحانيات إذ ان الانسان لديه فرصة لإعادة ترتيب اولويات حياته ومهامه من الاهم الى المهم ومن ثم الاقل الاهمية بما يناسب قدراته واستعداداته وارتباطاته وظروفه أيضا فهي فرصة كبيرة لان يراجع الانسان بعض سلوكياته واعادة مناقشة بعض الافكار التي اعتاد على التعامل معها كمسلّمات، فمجرد التفكير في اسباب منع الله لبعض الامور و الاستسلام للافكار العقلانية ومحاولة تعميهما او تطبيقها بصورة جدية اكثر من ذي قبل هي عودة الى الذات الانسانية وهذه بحد ذاتها غاية عظيمة
اقترحت حنين علي يقين بعض من افكارها فروتين الحياة ونمطيتها خلال الاحد عشر شهرا من الافضل ان يتغير لشحن الطاقة الايمانية فلنبتعد قليلا عن الجهاز الذي نمسكه باصابعنا ليلا ونهارا ونعود للحياة التقليدية من الامساك بالمصحف الورقي والتسبيح باليد او بالمسبحة التقليدية
واستخدام المذياع وقراءة بعض الكتب الدينية والتراثية والتي تعزز الفهم الروحاني والتعمق الديني واستخلاص بعض الادعية وكتابتها بخط اليد في اوراق ملونة وبخط جميل والدعاء بها عقب كل صلاة
واتفقتا علي قراءة كتاب البيان والتبيين للجاحظ واستخلاص بعض الافكار من هذا الكتاب والذي يعد من اهم الكتب التي قد تعزز القدرة علي الكتابة الأدبية والابداعية فكما قال ابن خلدون أن أصول الفن وأركانه أربعة دواوين وهي : كتاب الكامل للمبرد وأدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي
والجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصريّ، نُسب إليه لقب الجاحظ لبروز ظاهرٍ في عينيه، . عُرف بشدة نهمه في طلب العلم، فحاز في صدره من ضروب الثقافة والمعرفة، وقد ولد في البصرة عام 159 هجرية وعمّر أكثر من تسعين سنةً، عاصر فيهم عددّا من الخلفاء العباسيين، وقد توفي عام 255 هجرية.

وكان الجاحظ مطلعًا على الثقافات غير العربية كالفارسية واليونانية والهندية اطلاعًا واسعًا، وقيل أنه تعلّم الفارسية لأنه دوّن بعض النصوص باللغة الفارسية في كتابه “المحاسن والأضداد”. شد الرحال إلى بغداد، وهناك تصدّر للتدريس فبرز وتميز، وتولّى ديوان الرسائل للخليفة “المأمون

كتبت حنين بعض أقوال الجاحظ التي أعجبتها :

القلم أحد اللسانين، والقلم أبقى أثراً، واللسان أكثر هذراً.

إذا كان الحب يعمي عن المساويء فالبغض يعمي عن المحاسن.

حدِّث الناس ما حدجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم، فإن رأيت منهم فترة فأمسك.

كان السلف يخافون من فتنة القول أكثر مما يخافون من فتنة السكوت.

. كما قال الجاحظ أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه في ظاهر لفظه ، فإذا كان المعنى شريفاً ، واللفظ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً عن الاستكراه ومنزهاً عن الاختلال مصوناً عن التكلف صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة

وأما معني البيان فالبيان اسمٌ جامع لكل شيء كشفَ لك قناع المعنى، وهتك الحُجُب دون الضمير، حتى يُفضيَ السامع إلى حقيقته، حيث يحوي الكتاب مختارات من الأعمال الأدبية، وما حوته تلك الأعمال من خطب وقصائد وتعليقات ورسائل. كما يستعرض الكتاب خطابات بعض الفصحاء الأعلام وما فيها من البلاغة والخطابة. وقد ساهم هذا الكتاب في إرساء الأسس العلمية الأولية للبلاغة العربية وفلسفة اللغة
والبيان لغة، هو الوضوح، أما التبيين فهو التوضيح والكشف، إذ جاء في محكم الكتاب “(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)

البيان والتبيين هو كتاب في الأدب يتناول فيه موضوعات متفرقة مثل الحديث عن الأنبياء والخطباء والفقهاء والأمراء ، والحديث عن البلاغة واللسان والصمت والشعر والخطب ، والرد على الشعوبية واللحن والحمقى والمجانين ، ووصايا الأعراب ونوادرهم والزهد ، وغير ذلك ويتكون من ثلاثة أجزاء
وموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة: في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة. وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء، وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر

واختارت يقين هذه الفقرة من الكتاب من [باب من الخطب القصار من خطب السلف، ومواعظ من مواعظ النساك، وتأديب من تأديب العلماء]

قال رجل لأبي هريرة النحويّ: أريد أن أتعلّم العلم وأخاف أن أضيّعه.فقال: «كفى بترك العلم إضاعة» .
وسمع الأحنف رجلا يقول: «التعلم في الصغر كالنقش في الحجر» .
فقال الأحنف: «الكبير أكبر عقلا، ولكنه أشغل قلبا» .
وقال أبو الدرداء: ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلوا» .

قالوا: ولذلك قال عبد الله بن عباس رحمه الله، حين دلّى زيد بن ثابت في القبر، رحمه الله: «من سرّه أن يرى كيف ذهاب العلم فلينظر، فهكذا ذهابه فاللهم اني اعوذ بك من ذهاب العلم والعلماء وافتاء الجهلاء

حنين ويقين اتفقتا علي ارسال بعض الادعية والاذكار فأعطت حنين هذا الدعاء الذي تردده دوما حين تستغلق عليها بعض الأمور والذي كتبته بخط جميل مزدان ببعض الزخارف الاسلامية التي تحبها حنين
(اللهم زدني علما و فهما يا كاشف الأسرار يا عالم السر و الخفيات اكشف لي الحجب عن وجوه العلوم و الأسئلة حتى اطلع على حقيقتها و احفظني عن الخطأ و الضلاله و انت الموفق لكل امر و انت علام الغيوب اللهم ارزقني فهم النبيين و حفظ المرسلين و الهام الملائكة المقربين بجاه سيدنا محمد)

#

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *